سورة البقرة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى}.
في نزولها ثلاثة أقوال. أحدها: أنها نزلت في جميع الكفار، قاله ابن مسعود، وابن عباس. والثاني: أنها في أهل الكتاب، قاله قتادة والسدي ومقاتل. والثالث: أنها في المنافقين، قاله مجاهد. واشتروا: بمعنى استبدلوا، والعرب تجعل من آثر شيئاً على شيء مشترياً له، وبائعاً للآخر، والضلالة والضلال بمعنى واحد.
وفيها للمفسرين ثلاثة أقوال.
أحدها: ان المراد هاهنا الكفر، والمراد بالهدى: الإيمان، روي عن الحسن وقتادة والسدي.
والثاني: أنها الشك، والهدى: اليقين.
والثالث: أنها الجهل، والهدى: العلم.
وفي كيفية استبدالهم الضلالة بالهدى ثلاثة أقوال. أحدها: أنهم آمنوا ثم كفروا، قاله مجاهد. والثاني: أن اليهود آمنوا بالنبي قبل مبعثه، فلما بعث كفروا به، قاله مقاتل. والثالث: أن الكفار لما بلغهم ما جاء به النبي من الهدى فردوه واختاروا الضلال، كانوا كمن أبدل شيئا بشيء، ذكره شيخنا علي بن عبيد الله.
قوله تعالى: {فما رَبحَتْ تِجارَتُهم}.
من مجاز الكلام، لأن التجارة لا تربح، وإنما يربح فيها، ومثله قوله تعالى: {بل مكر الليل والنهار} [سبأ: 33] يريد: بل مكرهم في الليل والنهار. ومثله {فاذا عزم الأمر} [محمد: 21] أي: عزم عليه. وأنشدوا:
حارثُ قد فرَّجْتَ عني همي *** فنام ليلي وتجلى غمّي
والليل لا ينام، بل ينام فيه، وإِنما يستعمل مثل هذا فيما يزول فيه الإِشكال، ويعلم مقصود قائله، فأما إذا أضيف إلى ما يصلح أن يوصف به، وأريد به ما سواه، لم يجز، مثل أن تقول: ربح عبدك، وتريد: ربحت في عبدك. وإلى هذا المعنى ذهب الفراء وابن قتيبة والزجاج.
قوله تعالى: {ومَا كانوا مُهتَدين}.
فيه خمسة أقوال. أحدها: وما كانوا في العلم بالله مهتدين. والثاني: وما كانوا مهتدين من الضلالة. والثالث: وما كانوا مهتدين إلى تجارة المؤمنين. والرابع: وما كانوا مهتدين في اشتراء الضلالة. والخامس: أنه قد لا يربح التاجر، ويكون على هدىً من تجارته، غير مستحق للذم فيما اعتمده، فنفى الله عز وجل عنهم الأمرين، مبالغة في ذمهم.


قوله تعالى: {مثلهم كمثَل الذي اسْتوقد ناراً}.
هذه الآية نزلت في المنافقين. والمثل بتحريك الثاء: ما يضرب ويوضع لبيان النظائر في الاحوال. وفي قوله تعالى{استوقد} قولان:
أحدهما: أن السين زائدة، وأنشدوا:
وداعٍ دعا يا من يجيب إِلى الندى *** فلم يستجبه عند ذاك مجيب
ممأراد: فلم يجبه، وهذا قول الجمهور، منهم الأخفش وابن قتيبة.
والثاني: أن السين داخلة للطلب، أراد: كمن طلب من غيره ناراً.
قوله تعالى: {فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون}.
وفي{أضاءت} قولان: أحدهما: أنه من الفعل المتعدي، قال الشاعر:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم *** دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
وقال آخر:
أضاءت لنا النار وجهاً أغرَّ *** ملتبساً بالفؤاد التباسا
والثاني: أنه من الفعل اللازم. قال أبو عبيد: يقال أضاءت النَّار، وأضاءها غيرها. وقال الزجاج: يقال: ضاء القمر، وأضاء.
وفي {ما} قولان. أحدهما: أنها زائدة، تقديره: أضاءت حوله. والثاني: أنها بمعنى الذي. وحول الشَّيء: ما دار من جوانبه. والهاء: عائدة على الْمستوقد. فان قيل: كيف وحد. فقال: {كمثل الذي استوقد} ثم جمع فقال: {ذهب الله بنورهم}؟ فالجواب: أن ثعلبا حكى عن الفراء أنه قال: إنما ضرب المثل للفعل، لا لأعيان الرجال، وهو مثل للنفاق، وإنما قال: {ذهب الله بنورهم} لأن المعنى ذاهب إلى المنافقين، فجمع لذلك. قال ثعلب: وقال غير الفراء: معنى الذي: الجمع، وحد أولاً للفظه، وجمع بعد لمعناه، كما قال الشاعر:
فان الذي حانت بفلج دماؤهم *** هم القوم كلُّ القوم يا أم خالد
فجعل {الذي} جمعاً.
فصل:
اختلف العلماء في الذي ضرب الله تعالى له هذا المثل من أحوال المنافقين على قولين. أحدهما: أنه ضرب بكلمة الإِسلام التي يلفظون بها، ونورها صيانة النفوس وحقن الدماء، فاذا ماتوا سلبهم الله ذلك العزَّ، كما سلب صاحب النَّار ضوءه. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس. والثاني: أنه ضرب لإِقبالهم على المؤمنين وسماعهم ما جاء به الرسول، فذهاب نورهم: إِقبالهم على الكافرين والضلال، وهذا قول مجاهد.
وفي المراد ب {الظلمات} هاهنا أربعة أقوال. أحدها: العذاب، قاله ابن عباس، والثاني: ظلمة الكفر، قاله مجاهد. والثالث: ظلمة يلقيها الله عليهم بعد الموت؛ قاله قتادة. والرابع: أنها نفاقهم، قاله السدي.
فصل:
وفي ضرب المثل لهم بالنار ثلاث حكم.
إحداها: أن المستضيء بالنار مستضيء بنور من جهة غيره، لا من قبل نفسه، فاذا ذهبت تلك النار بقي في ظلمة، فكأنهم لما أقروا بألسنتهم من غير اعتقاد قلوبهم؛ كان نور إيمانهم كالمستعار.
والثانية: أن ضياء النار يحتاج في دوامه إلى مادة الحطب، فهو له كغذاء الحيوان، فكذلك نور الإيمان يحتاج إِلى مادة الاعتقاد ليدوم.
والثالثة: أن الظلمة الحادثة بعد الضوء أشد على الإنسان من ظلمة لم يجد معها ضياء، فشبه حالهم بذلك.


قوله تعالى: {صمٌ بكمٌ عمي}.
الصمم انسداد منافذ السمع، وهو أشد من الطرش. وفي البكم ثلاثة أقوال. أحدها: أنه الخرس، قاله مقاتل، وأبو عبيد، وابن فارس. والثاني: أنه عيب في اللسان لا يتمكن معه من النطق، وقيل: إن الخرس يحدث عنه. والثالث: أنه عيب في الفؤاد يمنعه أن يعي شيئاً فيفهمه، فيجمع بين الفساد في محل الفهم ومحل النطق، ذكر هذين القولين شيخنا.
قوله تعالى: {فهمْ لا يَرجِعُونَ}.
فيه ثلاثة أقوال. أحدها: لا يرجعون عن ضلالتهم، قاله قتادة ومقاتل. والثاني: لا يرجعون إِلى الإسلام، قاله السدي. والثالث: لا يرجعون عن الصمم والبكم والعمى، وإنما أضاف الرجوع إليهم، لأنهم انصرفوا باختيارهم، لغلبة أهوائهم عن تصفح الهدى بآلات التصفح، ولم يكن بهم صمم ولا بكم حقيقة، ولكنهم لما التفتوا عن سماع الحق والنطق به؛ كانوا كالصمم البكم. والعرب تسمي المعرض عن الشيء: أعمى، والملتفت عن سماعه: أصم، قال مسكين الدارمي:
ما ضرَّ جاراَ لي أجاوره *** ألا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي خرجت *** حتى يواري جارتي الخدر
وتصمُّ عما بينهم أذني *** حتى يكون كأنه وقر

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9